تقرأون الآن
”العالم على صورة الإنسان“؛ الجناح اللبناني في المعرض العالمي التاسع والخمسين للفن المعاصر – بينالي البندقية

”العالم على صورة الإنسان“؛ الجناح اللبناني في المعرض العالمي التاسع والخمسين للفن المعاصر – بينالي البندقية

pavillon-du-liban-biennale-de-venise-ar-override

أعلن وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى أن لبنان يعاني اليوم من جملة أزمات أبشعها الحصار الا أنه لن يسقط في غياب الظلام وارادتنا عصية على الانكسار. كلام الوزير المرتضى جاء خلال مشاركته في مؤتمر صحافي عقد اليوم في متحف سرسق بحضور ندى غندور، المفوضة العامة للجناح اللبناني في المعرض العالمي التاسع والخمسين للفن المعاصر -بينالي البندقية. الوزير المرتضى استهل المؤتمر بالقول: «قال جبران خليل جبران: ”الفنّ خطوةٌ من خطى الطّبيعة إلى اللّانهائيّة“. وهناك، في هذه اللانهائية الشّاسعة، حيث تَشِفُّ الكلمات ويصيرُ الوجودُ خيالاتِ وجود، يبتني الفنُّ له عالمًا جديدًا ليمكث فيه. واليوم يبدأ معكم الجناح اللّبناني في المعرض العالمي للفن المعاصر – بينالي البندقية في سرد حصّتنا من هذه القصة. لكن لبنان الوطن، يغرق اليوم في خضمّ أزمات متنوعة. من هنا تبرز الحاجة الماسّة لمحاولة الخروج منها، من خلال رسم مشهدٍ ثقافيٍّ فنيٍّ حافلٍ يعبّر عن جراحنا وإنجازاتنا. ولذلك فإن وجود لبنان في البندقية يستجيب لهذه الدعوة.»
برعاية وزارة الثقافة اللبنانية، ومن تنظيم الجمعيّة اللبنانيّة للفنون البصريّة (Lebanese Visual Art Association-LVAA)، يعرض الجناح اللبناني في المعرض العالمي التاسع والخمسين للفن المعاصر – بينالي البندقية، من 23 نيسان إلى 27 تشرين الثاني 2022، أعمال المخرجة السينمائية وصانعة الأفلام التسجيلية دانيال عربيد من الجالية اللبنانية والفنان التشكيلي أيمن بعلبكي من بيروت، وبتصميم سينوغرافيا الجناح من قبل المهندسة المعمارية ومؤسسة Culture in Architecture ألين أسمر دامان.

أيمن بعلبكي، ”بوّابة يانوس“، 2021، إعلام مختلط.

دانييل عربيد، ”ألو، حبيبتي“، 2015، إصدار 2022، صورة ثابتة.

وأكدت ندى غندور في كلمتها: «يرتبط هذا الاقتراح الفنّي ارتباطًا وثيقًا بالسياق اللبناني الذي يعكس تمامًا القضايا العالميّة. ويدعو هذا المشروع إلى رحلة رمزيّة في عالمنا المعاصر بفضل موضوع ومدينة وفنّانَين. فإن الازمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة التي عصفت بلبنان منذ نهاية سنة 2019 هي غير مسبوقة. وسيُردّد مبنى الارسنال في البينالي صداها عبر أعمال الفنانيْن اللذين تم اختيارهما، والذين حافظا على الحوار الجمالي والسياسي.»
وأضافت: «يشرّفني جدًا أن أكونَ المفوّضة العامّة للجناح اللبناني. لقد استجاب لدعوتي متخصّصون بارزون متعلّقون بتاريخ بلدي وثقافتِه وابداعِه وكذلك رعاة محبّون للبنان وآتون من خلفيّاتٍ مختلفةٍ ونحن مجموعة كبيرة نستثمرُ طاقاتِنا بغية تحقيق هذا الحدث الاستثنائي المكرّس لبلد يمر بظروف لا تقلّ استثنائية.»

أيمن بعلبكي، ”بوّابة يانوس“، 2021، إعلام مختلط.

المشروع :”العالم على صورة الإنسان“
يَعرض الجناح اللبناني في المعرض العالمي التاسع والخمسين للفنّ المعاصر – بينالي البندقيّة التأثير الدائم للخيال البشري على واقع العالم. وفي معرض ”العالم على صورة الإنسان“، يشكّل الخيال مصدر إلهام لحياتنا اليوميّة ويغذيها أكثر من أي وقت مضى. ويدعو مشروعه إلى إجراء رحلة رمزيّة في العالم المعاصر بفضل هذا الموضوع ومدينة بيروت كما والفنّانين أيمن بعلبكي ودانيال عربيد اللذين ينسجان عن بعد حوارًا سياسيًا وجماليًا من خلال أعمالٍ بعيدة قريبة في آن واحد. تؤدّي بيروت، المدينة العالميّة، دور المسرح حيث يتجسّد هذا الموضوع الذي لا يعرف حدودًا، فيستطيع الأشخاص من جميع الثقافات تفسير هذا الموضوع واستئثاره من منظورهم الخاص. إنّ الفنّ وحده هو القادر على فكّ رموز رؤيتنا وإعادة صياغتها وترجمتها بشكل أو بآخر. وهكذا، يصبح العمل الضخم الذي صمّمه أيمن بعلبكي صورة ذهنيّة باتت حقيقة بفضل عمله التشكيلي، فيما يتحوّل فيديو دانيال عربيد إلى واقع ملموس أصبح رؤية نقيّة في عينها. ويعكس هذا الحوار الذي ينسجه الفنّانان مع مدينة بيروت المنافسة التي تشتدّ ضراوةً بين الواقعي والافتراضي، وهذه النقلة النوعيّة التي أثّرت في بيئتنا وأنشطتنا المتنوّعة فأنشأت مكانًا أصبح مشتركًا للإنسانيّة جمعاء.

دانييل عربيد، ”ألو، حبيبتي“، 2015، إصدار 2022، صورة ثابتة.

وعرف لبنان أيضًا التقاليد والحضارة ومنذ القدم شكّل قضيّة إقليمية مهمّة. وبما أنّه همزة وصل بين الشرق والغرب، لطالما عانى رغمًا عنه ضغوطات خارجيّة كانت في كلّ مرّة تغيّر عمل الإنسان الفنّي الأكثر إنجازًا ألا وهو المدينة. واليوم أكثر من أيّ وقت مضى، تؤدّي المأساة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تعصف بلبنان منذ سنة 2019 إلى جعل بيروت محطّ أنظار العالم، هذه المدينة الشهيدة ومدينة المستقبل الصاعد.
واختارت دانيال عربيد وأيمن بعلبكي الحضارة المتعدّدة المعاني موضوعًا للتأمّل والإبداع، بين الافتراضي والواقعي، في خضمّ اضطرابات الأزمة العالميّة وعدم الاستقرار العاطفي لعلاقة تكنولوجيّة خاصّة بالعالم. تعرض دانيال عربيد مقطع فيديو بعنوان ”ألو، حبيبتي“ (Allô Chérie) وأيمن بعلبكي نُصبًا يُدعى ”بوّابة يانوس“ (Janus Gate). ويُفسّر البعد السياسي لهذين العملين على ضوء الوضع الراهن في لبنان. فيقترن السباق المحموم إلى جني الأموال بالعنف الذي يحتدم اليوم في لبنان. أمّا المضاربة العقارية التي تَعِد بالأحلام فتخفي الهلاك وتضللّ المشتري. وبدأ القلق بشأن الانهيار الاقتصادي والسياسي في لبنان يتمظهر أكثر فأكثر. ويُحيي كلاهما بوسائله الخاصّة وبسيرهما على خيط العودة الأبديّة جسد لبنان في خضمّ فوضاه وكمال جماله.

دانييل عربيد.

وتؤكد دانييل عربيد: «إنّ الفيديو الذي سيتم عرضه هو بمثابة فرد من أفراد عائلتي اللبنانية، عمل يستجيب من خلال لقطاته لعمل أيمن. في هذا العمل، إنّ الشخصية في الفيديو وهي أمي في الحقيقة، تشبه صورة هذا البلد فإنّها تجسدّه، بعقليتها القاتلة، حبها للمخاطرة، واندفاعها للحياة. إنّها مأسورة في سباق جامح لكسب المال تجول في سيارة حول مدينة بيروت. إنّ كفاحها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعنف المُسيطر في لبنان اليوم الذي عاشته بلدان أخرى، في أوروبا أو أماكن أخرى.»

من جهته يشدد أيمن بعلبكي على: «انطلقت من مدينة بيروت التي أراها مدينة غنيّة بـ ”الأماكن الأخرى“ بحسب مفهوم ميشال فوكو. فإنّ بيروت هي ”مكان مغاير“ و”زمن مغاير“ في آن واحد، كما لو كانت تتطوّر باستمرار في زمانين مكانيّين مختلفين لهما حدود معيّنة. وهكذا، استنادًا إلى شكل كلمة ”لبننة“ التي تشير إلى تفكّك الدولة، أقترح استحداث كلمة ”البيرتة“ للإشارة إلى الأماكن التي تنغّص عليها المتاريس والكتل الخرسانية، أي للإشارة إلى تقطيع المدينة وتقسيمها إلى كتل منفصلة. فكرت عندئذ في يانوس، الإله الروماني ذو الوجهان، الذي ينظر إلى الداخل والخارج، الماضي والمستقبل. لقد بنيت هيكلًا تتعايش فيه مساحتان: مساحة خارجيّة مشعّة ومساحة داخليّة تشبه جميع الأحياء الفقيرة في العالم، أو تمثّل صورة خياليّة بعض الشيء لهذه الأحياء الفقيرة.»

ألين أسمر دامان، سينوغرافيا الجناح اللبناني، المعرض الدولي التاسع والخمسين للفن المعاصر – بينالي البندقية.

السينوغرافيا
سيُقام معرض ”العالم على صورة الإنسان“ في إحدى غرف الارسنال في ترسانة البندقيّة (l’Arsenal de Venise)، هذا المبنى المُصنّف كمعلم تاريخي. كان على سينوغرافيا الجناح اللبناني أن تلبّي متطلّبات مشروع تنظيم الأعمال الفنيّة، أي فكرة الحوار التي تعتبر عاملًا أساسيًا في روح هذا المشروع. وكصدى لأعمال دانيال عربيد وأيمن بعلبكي، تقدّم المهندسة المعماريّة ألين أسمر دامان جولة في قلب لبنان: «تتّخذ الهندسة المعماريّة للجناح شكل صدفة بيضاوية صلبة لتُشيرَ بذلك إلى العهد الأبدي بالنهضة والوحدة. يدعو الشكل الهندسي المغلف الأعمال إلى الحوار من دون حيل، بل وجهًا لوجه وعبر تقصير المسافات، كما هو حال محادثة فطريّة وطبيعيّة.»

ألين أسمر دامان.

تشير الهندسة المعماريّة الأولية للجناح اللبناني إلى الآثار المعاصرة للمشهد العمراني اللبناني، وإلى الـ”بيضة“ في وسط المدينة لجوزيف فيليب كرم، وإلى مبنى المعرض الدولي ”رشيد كرامي“ ﻟ”أوسكار نيماير“ في طرابلس.
إنّ هذا المعلم السينوغرافي الذي تبلغ مساحته 150 مترًا مربعًا تقريبًا، والمُستمدّ من العمارة الـ brutaliste التي ازدهرت في لبنان منذ الستينيات، يشير إلى تجوال أيمن بعلبكي ودانيال عربيد في بيروت. تغطّي المعلم ألواح منحنية مطليّة بنسيج خرساني يشير إلى هذه المدينة التي هي طور إعادة بناء دائمة. يفتتح روشن العمل على الهيكل البارع للسقف الفينيسي بمثابة دعوة إلى الارتفاع.

ألين أسمر دامان، سينوغرافيا الجناح اللبناني، المعرض الدولي التاسع والخمسين للفن المعاصر – بينالي البندقية.

عند دخول الجناح اللبناني، يلقى الزائر عمل أيمن بعلبكي قبل أن يلفت انتباهه فيديو دانيال عربيد المعروض على جدران المعلم. بالنسبة إلى ألين أسمر دامان: «يشهد اختيار الحركات المُتشدّدة وموادّ السينوغرافيا على الرغبة في الرزانة المفترضة للاستجابة لوضع البلاد الراهن.»
تتمتّع اللجنة العلميّة بدور استشاري، وتتألّف من متخصّصين محليّين وعالميّين، وتهدف إلى تقديم توصيات وإنشاء بيئة للتفكير والتبادل والمناقشة مع الفنّانين والمهندسة المعمارية-السينوغراف. تتألف هذه اللجنة من جان فرانسوا شارنييه، أمين عام التراث، المدير العلمي ل AFALULA، لُمى سلامة، المديرة الإداريّة لمؤسّسة بوغوسيان – فيلا آمبان في بروكسل، وأنابيل تيناز، كبيرة أمناء التراث ومديرة متحف Abattoirs, Musée – Frac Occitanie Toulouse.

نحو الأعلى